فصل: مسألة قال: علي عهد الله وأشد ما حمل أحد على أحد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يحلف على رجل ألا يؤمنه فقدم مكانا يقدر فيه ذلك الرجل السلطان عليه:

ومن كتاب المكاتب مسألة:
وسألته عن رجل من ذوي السلطان يحلف على رجل ألا يؤمنه فقدم ذلك الرجل مكانا يقدر فيه ذلك الرجل السلطان عليه ويناله من عقوبته ما أحب فتجافى عنه وتركه غير مؤمن ولا معاقب أترى أن قد حنث؟ قال: نعم أراه حانثا إذا كان أمره على ما وصفت، قلت: أرأيت إن كان المحلوف عليه مختفيا يعلم السلطان بمكانه فتركه على خوف أذلك عندك بمنزلة ما لو كان ظاهرا كالآمن وهو غير مؤمن؟ فقال: أما إذا علم بمكانه وكان قادرا عليه فتركه فقد حنث، قلت: أرأيت إن كان يريد أن يعاقبه ليبر في يمينه أيضره سكوته عنه أياما بعد علمه بمكانه؟ قال: نعم أراه حانثا إلا أن يكون تركه تركا يسيرا اليوم ونحوه وهو يروي في أخذه وعقوبته.
قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه حمل يمينه ألا يؤمنه على ما ظهر إليه من أنه أراد ليعاقبه فحنثه بتأخير عقوبته، فالاختلاف في هذه المسألة في موضعين: أحدهما حمل يمينه على المقصد المظنون دون ما يقتضيه اللفظ المظنون به، وقد مضى ذكر ذلك في مواضع منها رسم جاع من سماع عيسى، والموضع الثاني أنه حمل يمينه ليفعلن على التعجيل حتى يريد التأخير فحنثه بتأخير العقوبة، وذلك نحو ما في سماع أبي زيد من كتاب العتق في الذي يقول: إن لم يصنع لنا فجاريتي حرة، ومثل ما في المدونة من رواية ابن القاسم عن مالك في الذي يحلف لينتقلن أنه لا يقيم طرفة عين وليخرج ساعة حلف وإن كان في جوف الليل إلا أن تكون له نية، خلاف المشهور من أنه على التأخير حتى يريد التعجيل، من ذلك قولهم في من حلف بطلاق امرأته ليفعلن فعلا أنه لا يطأ امرأته حتى يفعل ويضرب له أجل الإيلاء إن طلبت امرأته الوطء، وقوله في المسألة التي بعد هذا وقد نص على اختلاف قول مالك في المبسوطة، وهو على اختلافهم في الأمر هل يقتضي الفور أم لا. وقد ذكرنا ذلك أيضا في رسم سن من سماع ابن القاسم، وقول ابن القاسم في هذه المسألة على قياس قول مالك في رسم العتق من سماع أشهب من كتاب العتق في الذي يقول: كل مملوك له حر إن عفوت عنك إلا أن يعفو عنك السلطان فقف على ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة يأبق عبده فيحلف إن أظفره الله ليعاقبنه فيظفر فيؤخر عقوبته:

وسألته عن الرجل يأبق عبده فيحلف إن أظفره الله ليعاقبنه فيظفر فيؤخر عقوبته، قال: لا يكون حانثا إلا أن يموت الحالف قبل أن يعاقبه فيكون حنثه في ثلث ماله، قلت: أرأيت إن فرط في العقوبة وهو قادر عليها حتى يأبق ثانية أتراه حانثا؟
قال محمد بن أحمد: لم يحمل يمينه في هذه المسألة على التعجيل، فقوله فيها خلاف قوله في المسألة التي قبلها، وسكت عن وجوب الحنث عليه إن فرط في عقوبته حتى يأبق ثانية، والذي يأتي على قياس قوله في أول المسألة أنه لا يحنث إلا أن يموت الحالف قبل أن يقدر عليه فيكون حنثه في ثلث ماله، وكذلك قال محمد فيها إنه لا حنث عليه، والعمل في ذلك إن مات الميت وأوصى بوصايا مال أن يخرج من ثلث مال الميت سوى العبد الآبق فيعطى من ذلك لأهل الوصايا بقية ثلث مال الميت مع العبد الآبق ويوقف الباقي، فإن وجد العبد الآبق أو علم أنه كان حيا حين مات الحالف نفذت له الحرية ورد ما وقف إلى الورثة وإن لم يوجد ولا علمت حياته حين مات الحالف وأيس من علم ذلك كان ما وفق لأهل الوصايا، مثال ذلك أن يترك الميت ثلاثين دينارا ويوصي لرجل بعشرة دنانير وقيمة الآبق عشرة دنانير فيخرج ثلث الثلاثين عشرة دنانير فيدفع منها للموصى له بالعشرة دنانير ثلاثة دنانير وثلث دينار؛ لأن الورثة تقول له لعل الآبق حي فلا يحنث لك إلا ثلاثة وثلث دينار؛ لأن جميع المال يكون أربعين يبدأ العبد في ثلثها بعشرة لأن العتق مبدأ على الوصية فلا يجب لك إلا البقية، وبالله التوفيق.

.مسألة قال علي نذر أن أعتق عبدي فلانا:

قال: وسألته عن الرجل يقول: علي نذر أن أعتق عبدي فلانا ماذا عليه؟ فقال: أحب له الوفاء بما جعل لله عليه من التقرب بعتق رقبة عبده، ولا أرى ذلك لازما له كالحنث فيه وإنما هو رجل نذر ليفعلن خيرا فليوف بنذره.
قال محمد بن أحمد: قوله أحب الوفاء بما جعل لله عليه من ذلك ليس على ظاهره من أن ذلك يستحب له أن يفعله فإن فعله أجر وأن لم يفعله لم يأثم، فهو تجاوز في العبارة لأن من نذر ما لله فيه طاعة فالإيفاء به عليه واجب، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه». وقولي: ولا أرى ذلك لازما له كالحنث معناه ولا أرى أن يحكم به عليه كما يحكم عليه بالحنث؛ لأن ذلك ليس بلازم له فيما بينه وبين خالقه كالحنث بل هو واجب عليه وألزم له فيما بينه وبين خالقه من الحنث؛ إذ لم يختلف أهل العلم في وجوب ما لله فيه طاعة بالنذر، واختلفوا في وجوب ذلك باليمين، وأشهب يرى أن يحكم بالعتق على من نذره على نفسه، وهو أظهر ووجه قول ابن القاسم أن الحكم عليه بالعتق لا وفاء له به؛ لأن الأعمال بالنيات فتركه عسى أن يفي أولا من أن يفوت عليه الوفاء فيحصل في إثم لا مخرج له منه، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بالمشي إلى بيت الله:

ومن سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم مسألة قال: وسئل ابن القاسم عن الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله يمشي ذراعا ويحفر ذراعا، قال: يمشي ولا هدي عليه في الحفر، ولا يحفر.
قال محمد بن أحمد: أما المشي فلا اختلاف في وجوبه عليه بالنذر لأنه طاعة لله، وقوله: إن الحفر لا هدي فيه عليه صحيح على ما مضى في رسم المحرم من سماع ابن القاسم، وفي ذلك اختلاف قد ذكرناه هناك فلا معنى لإعادته.

.مسألة قال لرجل والله لا أكلمك يوما وذلك في الضحى أو نصف النهار:

قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول للرجل: والله لا أكلمك يوما وذلك في الضحى أو نصف النهار، قال: يكف عن كلامه بقية يومه وليلته إلى مثل تلك الساعة، قلت: وكذلك لو قال له في الليل والله لا أكلمك ليلة قال: يكف عن كلامه بقية ليلته ويومه من غد إلى ذلك الحين من ليلة غد حين حلف.
قال محمد بن أحمد: اليوم يقع على واحد من جنسه تقول يوم وأيام والليلة كذلك أيضا تقع على واحد من جنسها تقول ليلة وليال فالليلة تختص بالزمان الذي يكون من غروب الشمس إلى طلوعها أو إلى طلوع الفجر على ما مضى فيه في رسم القبلة من سماع ابن القاسم، واليوم يختص بالزمن الذي يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أو من طلوعها إلى غروبها على ما مضى القول أيضا في ذلك في رسم القبلة، ومن قال: إن اليوم يقع علي الزمن الذي يكون من طلوع الشمس إلى طلوعها أو من غروبها إلى غروبها يرثه قول الله عز وجل: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7]. فإذا حلف الرجل ألا يكلم رجلا يوما وهو في بعض النهار وجب ألا يكلمه حتى يستكمل يوما كاملا من حين حلف، وذلك لا يكون إلا بأن يمسك عن كلامه من حين يمينه إلى ذلك الحين من يوم آخر؛ لأن اليوم يتعين من حين يمينه، ولو حلف ألا يكلمه أياما لوجب أن يمسك عن كلامه عدد الأيام التي حلف عليها إلى ذلك الحين من اليوم الذي حلف فيه على قياس هذا القول، وقد قيل: إنه يلغي بقية ذلك اليوم، اختلف قول مالك في ذلك، وقع اختلاف قوله في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة، وإذا حلف الرجل ألا يكلم ليلة وهو في بعض الليل فعلى قياس ذلك أيضا، ولو حلف وهو في النهار ألا يكلم فلانا ليلة أو كذا وكذا ليلة وهو في الليل ألا يكلم فلانا يوما أو كذا وكذا يوما لم يكن عليه أن يمسك عن كلامه بقية يومه ولا بقية ليلته واستأنف حساب ما حلف عليه من الليالي بعد انقضاء يومه وما حلف عليه من الأيام بعد انقضاء ليلته ولسحنون في كتاب ابنه أنه إذا حلف ألا يكلمه ليلة فذلك على بقية ليلته، وإذا حلف ألا يكلمه يوما فلابد أن يكون الليل والنهار، فجعل قوله ليلة بمنزلة قوله هذه الليلة فلم يلزمه الإمساك عن تكليمه إلا بقية ذلك اليوم إلى الغروب، فقوله إنه لابد أن يكون في ذلك الليل والنهار إنما يخرج على قول من قال: إن اليوم يقع على الليل والنهار من الطلوع إلى الطلوع أو من الغروب إلى الغروب، أو من أي وقت كان إلى مثل ذلك الوقت من يوم آخر، وقد بينا أن القرآن يرد هذا القول، والنهار يقع على الجنس الذي يكون فيه الضياء من الزمان، والليل يقع على الجنس الذي يكون فيه الظلام من الزمان، فإذا حلف الرجل ألا يكلم رجلا نهارا فلا يكلمه أبدا نهارا إلا أن يريد هذا النهار، وإذا حلف ألا يكلمه ليلا فلا يكلمه أبدا ليلا إلا أن يريد هذه الليلة، وبالله التوفيق.

.مسألة قالت مالي في المساكين صدقة إن دخلت دار أخي فأرادت الدخول:

وسئل سحنون عن امرأة قالت: مالي في المساكين صدقة إن دخلت دار أخي فأرادت الدخول وتخرج ثلث مالها في المساكين، فمنعها الزوج من الصدقة، قال: لا أرى أن تمنع من الثلث وقد لزمها ذلك إن حنثت وليس له أن يحول بينها وبين الثلث ولو كانت حلفت بأكثر من الثلث لم يكن عليها شيء إذا كره الزوج ذلك لها.
قال أصبغ بن الفرج: لا شيء عليها في ثلثها ولا غير ذلك إذا منعها الزوج من ذلك خلاف ما يلزمها إخراج ثلث مالها.
قال محمد بن أحمد: هذه المسألة مبنية على اختلافهم إذا قصدت المرأة بصدقة ثلث مالها الإضرار بزوجها هل له أن يرد ذلك أم لا؟ فقول سحنون في هذه المسألة على روايته عن ابن القاسم في سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات قوله هناك، وقول أصبغ على قول مالك في سماع أشهب من كتاب الأقضية وقول ابن القاسم في رواية يحيى، واختلف إذا تصدقت بأكثر من الثلث، فقال ابن القاسم ورواه عن مالك: يرد الزوج الجميع، وقال ابن الماجشون: ليس له أن يرد إلا ما زاد على الثلث ورواه عن مالك وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة قال ابن الماجشون: وإنما يكون له أن يرد الجميع في العتق من أجل أنه لا يبغض وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بالتوراة والإنجيل في كلمة واحدة:

من مسائل نوازل سئل عنها سحنون مسألة لله علي صيام، قيل لسحنون: أرأيت من حلف بالتوراة والإنجيل في كلمة واحدة عليه كفارات أو كفارة واحدة؟ قال: عليه كفارة واحدة.
قال محمد بن أحمد: قد تقدم القول في هذه المسألة موعبا في رسم أوصى من سماع عيسى فلا معنى لإعادته.

.مسألة قال لله علي الصيام:

وقال في رجل قال: لله علي الصيام ولم يقل غير هذا أو قال صدقة ولم يقل غير هذا، قال: يصوم ما شاء ويتصدق بالدرهم والنصف والربع، قيل له: فالفلس والفلسان قال: ما زاد فهو أحسن.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال من أجل أن كل ما يتصدق به مما يكون للمتصدق عليه فيه وجه منفعة وإن قل فاسم الصدقة متناول له، فوجب إذا لم يكن للحالف نية ولا بساط أن يحمل يمينه عليه ولا عرف ولا مقصد تصرف يمينه إليه أن يبر بذلك، وقد مضى من القول في سماع أشهب نحو هذا وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يشتري أكثر من عشرة شياه فاشترى ثلاثين مع ثلاثة نفر:

وفي رجل حلف ألا يشتري أكثر من عشرة شياه فاشترى ثلاثين شاة مع ثلاثة نفر لكل واحد ثلثها، قال مرة يحنث ومرة لا يحنث إذا قاسم شريكه، فإن صار له في ثلثه أكثر من عشر شياه حنث، وإن صار له عشرة فأدنى لم يحنث.
قال محمد بن أحمد: هذا إنما يصح على القول بأن القسمة تمييز حق؛ لأنه انكشف بها أنه لم يزل مالكا من يوم اشترى إلا لما صار له الآن في القسمة، فوجب أن يحنث إذا كان الذي صار له في القسمة أكثر من عشرة شياه، وأما على القول بأنها بيع من البيوع فلا حنث إلا أن يصير له في القسمة أكثر من خمس عشرة شاة لأنه إذا صار له بها خمس عشرة شاة فإنما اشترى من شريكه ثلثها وذلك عشرة بثلث الخمس عشرة التي صارت لشريكه فلا يحنث إلا أن يكون الذي صار له بالقسمة أكثر من خمس عشرة لأنه حينئذ يكون قد اشترى من شريكيه أكثر من عشر شياه وهذا بين إذا تدبرت.

.مسألة باع مالا وحلف ألا يقيل صاحبه ولا يضع عنه فأمره السلطان بردها:

من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم مسألة قال محمد بن خالد: سألت ابن القاسم عن رجل باع مالا لي أو سلعة ما كانت؟ وحلف ألا يقيل صاحبه ولا يضع عنه فقضى عليه السلطان بردها، قال: لا حنث عليه وليس هذا مما حلف عليه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة وقد مضى القول فيها في رسم يسلف من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته.

.مسألة حلف ألا يأكل ديكا فأكل دجاجة:

ومن سماع عبد المالك بن الحسن وسؤاله ابن القاسم مسألة قال عبد المالك: قال ابن القاسم: من حلف ألا يأكل دجاجا فأكل ديكا حنث، ومن حلف ألا يأكل دجاجة فأكل ديكا فلا حنث عليه لأن الديكة دجاج في كلام الناس واسم الدجاج لجميع الذكور منها والإناث ومن حلف ألا يأكل ديكا فأكل دجاجة لم يحنث ومن حلف ألا يركب فرسا فركب برذونا حنث ومن حلف ألا يركب برذونا فركب فرسا لم يحنث.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن يمين الحالف إذا عريت عن نية أو بساط أو مقصد يخالف لفظه حملت على ما يقتضيه اللفظ في اللسان، والدجاج لا يتسمى ديكا، فإذا حلف ألا يأكل ديكا أو ديكة فلا يحنث بأكل الدجاج والدجاج يقع على الذكور والإناث فمن حلف ألا يأكل دجاجا فأكل ديكا حنث لأن لفظه اقتضاه، وكذلك البرذون تسمى فرسا والفرس لا تسمى برذونا فوجب أن يحنث من حلف ألا يركب فرسا فركب برذونا وألا يحنث من حلف ألا يركب برذونا فركب فرسا وبالله التوفيق.

.مسألة قال: علي عهد الله وأشد ما حمل أحد على أحد:

قال: وسألت ابن وهب عمن قال: علي عهد الله وأشد ما حمل أحد على أحد، قال عليه في العهد كفارة يمين، وليس في أشد ما حمل أحد على أحد إلا كفارة يمين.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم أوصى من سماع عيسى فأغنى ذلك عن إعادته.

.مسألة حلف ألا يطأ امرأته فوطئها وهي حائض:

وسئل عمن حلف ألا يطأ امرأته فوطئها وهي حائض، فقال: هو حانث قلت: فإن حلف أن يطأها فوطئها وهي حائض؟ قال: هو حانث إلا أن يكون نوى ذلك.
قال محمد بن أحمد: أما الذي حلف ألا يطأ امرأته فوطئها وهي حائض فلا إشكال في أنه حانث ولا اختلاف لأنه إذا لم تكن له نية في ألا يطأها وهي طاهر وجب أن يحنث لأنا إن حملنا يمينه على المجانبة حنث، وإن حملناها على مقتضى لفظه حنث ولا يصح أن يحمل يمينه على أنه أراد ترك نوع الوطء دون غيره إذ قد عم جميعها لفظ النفي، وأما الذي حلف ألا يطأها فوطئها وهي حائض، فقال في الرواية: إنه حانث ويدخل في ذلك اختلاف بالمعنى؛ لأن الوطء المعروف هو الوطء في حال الطهر، فالظاهر من أمر الحالف أنه قصد إلى ذلك لا إلى الوطء في حال الحيض فإن غلب الظن بذلك، وحملت يمينه عليه لم نحنثه، وإن لم نغلب الظن بذلك وحملنا يمينه على مقتضى لفظه حنثناه؛ لأن الوطء في حال الحيض وطء، والواطئ فيه واطئ حقيقة وقد مضى من هذا النحو مسائل كثيرة منها مسألة الذي حلف أن يأكل الطعام فأكله بعد الفساد في رسم إن كلمتني من سماع عيسى، فالاختلاف فيها داخل في هذه لاستوائهما في المعنى.

.مسألة حلف لينتقلن من منزله فترك شيئا في بيته:

وسئل عن رجل حلف لينتقلن من منزله فترك شيئا في بيته مثل الزم والوتد والفخار، قال ابن وهب: إن كان تركه وهو لا يريد الانصراف فيه فلا حنث عليه وإن كان نسيه فأراه حانثا.
قال محمد بن أحمد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم أوصى من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة حلف لرجل في حق بالمشي إلى بيت الله فحنث فقال نويت المسجد:

من سماع أصبغ بن الفرج عن ابن القاسم من كتاب النذور مسألة قال أصبغ: قلت لابن القاسم: أرأيت إن حلف رجل لرجل في حق بالمشي إلى بيت الله فحنث فقال: إنما نويت المسجد أينفعه ذلك أم يفترق ابتدأه باليمين أم لم يبتدئ، قال: أرى ذلك ينفعه وأرى ذلك إلى نيته وما أراد ابتدأه باليمين أم لم يبتدئه ولا شيء عليه وليس يفترق ذلك، قال: قلت: فكيف أفرق في حلفه له بالطلاق أو الحلال عليه حرام؟ فقال: تلك حقوق كان يقضى فيها إن ظهرت، وهذا هنا مما ليس يقضى فيه إن ظهر ولا يلزمه فلذلك تركه ونيته، قال أصبغ: ليس يفترق إلا في الأحكام، فأما في الحنث فيما بينه وبين الله فأراه عليه وأراه لازما له ولا تنفعه نيته إذا كان في حق أو وثيقة فيما أحلفه أو حلف له.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى من تحصيل القول فيها في رسم شك من سماع ابن القاسم ما يغني عن إعادته هاهنا وبالله التوفيق.

.مسألة له على رجل حق فحلف المطلوب إن بات الليلة لك على شيء:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن رجل له على رجل حق فحلف المطلوب إن بات الليلة لك على شيء ما حد المبيت؟ قال: قدر نوم الناس ما يؤخر له صلاة العشاء وذلك ثلث الليل الأول، قال أصبغ: لا أرى ذلك وإنما الإيمان بمعاني أمور الناس وما يعرف، فأراه إن كان حلف نهارا قال: غروب الشمس ودخول الليل، وإن كان حلف عشيا فإلى انقطاع الرجل وهو والناس إلى بيوتهم، هذا الذي ترى أنه يراد، وليس أن يبيت معه حتى يعطيه في ثلث الليل قبل نومه إن شاء الله تعالى.
قال محمد بن رشد: أما قول أصبغ فبين على مراعاة المقصد وترك الاعتبار بمقتضى اللفظ؛ لأنه حنثه بتجاوز القدر الذي جرت عادة الناس بالقضاء فيه؛ لأنه حمل يمينه على ذلك، وأما قول ابن القاسم فبناه على الاعتبار بمقتضى اللفظ وترك مراعاة المقصد، وفيه نظر إذ جعل المقام إلى ثلث الليل مبينا لحنثه فحنثه إن لم يقضه فيما بينه وبينه، فالصواب أنه لا حنث إن قضاه قبل نصف الليل إذ لا يكون الرجل بائتا في المكان إلا إذا أقام فيه أكثر من نصف الليل، وهذا متعارف عند الناس، ألا ترى أنك إذا لقيت رجلا قبل نصف الليل حسن أن تسأله أين تبيت، وإذا لقيته بعد نصف الليل حسن أن تسأله أين بات، وهذا قائم من قول مالك في المدونة إنه لا دم على من بات في غير منى ليالي منى إلا أن يبيت ليلة كاملة أو جلها؛ لأن الدم إنما يجب في المبيت عن منى، لا في الإقامة عنها بعض ليلة، بدليل ما روي من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن المبيت في غير منى ليالي منى»، وأنه كان يزور البيت في كل ليلة من ليالي منى فلم يجعل مالك الرجل بايتا عن منى إلا إذا أقام في غيرها جل الليلة وهو أكثر من نصفه وبالله التوفيق.

.مسألة قال الرجل وحق الله:

قال أصبغ: وقال ابن القاسم وإذا قال الرجل: وحق الله ولا وحق الله يمين مثل لعمر الله، كفارته كفارة اليمين بالله.
قال محمد بن أحمد: إنما مثل ابن القاسم القسم، بـ وحق الله بالقسم بلعمر الله لأنه حمله في الوجهين على أنه قسم بصفة من صفات الله تعالى، ذلك مفهوم عنده من قصد الحالف وإرادته نحو الله قدرته وعظمته وجلاله وعمر الله بقاؤه، وحقق هاهنا أن لعمر الله يمين، ولم يحقق ذلك في رسم أوصى من سماع عيسى وقد مضى القول على ذلك هناك.

.مسألة يحلف للرجل في حق له وثيقة بالحلال عليه حرام ليدفعنه إلى أجل فحنث:

قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الذي يحلف للرجل في حق له وثيقة بالحلال عليه حرام ليدفعنه إلى أجل فحنث وعلى يمينه بينة ويزعم أنه حاشى امرأته فقال لي هذا أمر قد اختلف فيه ورددني فيه غير مرة، ثم قال: قد بلغني عن مالك فيها شيء وأنه حنثه، قال أصبغ: وقال ابن القاسم: وقد كلمت فيها غير واحد من أهل المدينة ابن أبي حازم وغيره، فلم يروا عليه شيئا ورأوا أن ذلك له، قال: وهذا رأي أرى ذلك له، قلت: وإن كانت عليه بيمينه بينة، قال: نعم وإن كانت عليه بينة بيمينه، قال أصبغ: وله قول غير هذا وقد فسرته لك.
قال محمد بن رشد: قول القائل الحلال علي حرام لفظ عام يدخل تحته الزوجة في القياس على أصولهم إذا ادعى محاشاتها وقد حضرته بينة أن لا ينوي لادعائه نية مخالفة لظاهر لفظه، كمن حلف ألا يكلم فلانا ثم قال: نويت شهرا أو لا يشتري ثوبا ثم قال: نويت رسيا، وتنويته مع حضور البينة له استحسان مراعاة لاختلاف أهل العلم في أصل اليمين؛ إذ منهم من لا يوجب فيها إلا كفارة يمين إلى ما سوى ذلك من الأقاويل المختلفة، وأما إذا لم تحضره بينة وادعى المحاشاة ففي ذلك أربعة أقوال على قياس المذهب، أحدها أن يمينه على نيته فله ما ادعاه من المحاشاة ولا تطلق عليه، والثاني أن يمينه على نية المحلوف له فلا ينفعه ما ادعى من المحاشاة وتطلق عليه، والثالث الفرق بين أن يكون مستحلفا أو متطوعا باليمين فلا ينوى إذا كان مستحلفا وينوى إذا كان متطوعا باليمين، والرابع القول بعكس هذه التفرقة، وقد مضى ذلك في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم وعلى مراعاة الخلاف في اليمين تكون له نيته على كل حال ولا تطلق عليه، وأما إذا حلف الرجل على نفسه ولم يحلف لغيره فلا اختلاف في أن له نيته إذا أتى مستفتيا وبالله التوفيق.

.مسألة صناع أوذي فحلف ألا يعمل لأحد من أهل تلك القرية إلا لفلان وفلان:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن رجل صناع وقع في قرية فكان يعمل فيها لأهلها فأوذي فحلف ألا يعمل لأحد من أهل تلك القرية إلا لفلان وفلان لأقوام سماهم بأعيانهم فأراد بعض أولئك النفر الذين استثنى في يمينه أن يستأجره لنفسه بأجرة ثابتة له في رقبة المستأجر سنة ثم يجعله يعمل له ذلك العمل في حانوت فما دخل كان للمستأجر، فقال: إن كان إنما هو أجير يعمل بيده للذي استأجره لا يأخذ ولا يعطي ولا يلي معاملة الناس والأخذ والإعطاء فلا بأس ولا شيء عليه، وإن كان إنما استأجره ثم يطلقه في حانوته يكون بيده وصاحب المعاملة فيه والأخذ والإعطاء وهو حانث إن فعل لأن الضمان في ذلك يقع عليه لمن عامله ودفع إليه وذلك الذي كره في مخرج يمينه أنه إنما كره معاملة الناس والضمان، فأراه حانثا إن فعل، وقاله أصبغ إلا أن يكون إنما كره أيضا الصنعة ووجه قطعها وقطع منفعتها فيه عنه وتوليها له وجريها على يده ونحو ذلك فلا يجوز له ذلك على حال.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ مفسر لقول ابن القاسم ويمينه محمولة بساطها على أنه إنما كره معاملة الناس والأخذ والإعطاء فيجوز له أن يعمل أعمال أهل القرية لأولئك النفر الذين استثنى إذا كانوا هم الذين يلون المعاملة والأخذ والإعطاء إلا أن يكون كره الصنعة وجريها على يده فلا يجوز له أن يعمل لهم عملا وإن كان النفر الذين استثنى هم الذين يلون المعاملة والأخذ والإعطاء دونه وإنما يكون له أن يعمل لهم ما يخصهم من أعمالهم.

.مسألة حلف ألا يساكن أخاه وهما في دار واحدة:

قال ابن القاسم: لا يجوز للذي يحلف ألا يساكن أخاه وهما في دار واحدة أن يبنيا جدارا بينهما ويمكث معه.
قال محمد بن رشد: يريد ويحنث إن فعل، خلاف قوله في المدونة إنه لا بأس بذلك ولا حنث عليه إن فعل، قال في العشرة: إذا لم يكن بينهما خوخة ولا شيء يحصل منه عيال أحدهما إلى الآخر وينال به الحاجة من غير خروج إلى باب، قال ابن حبيب: ولا أحب الجدار من الجريد ولم يعجب ذلك مالكا فيها أعني في المدونة وكرهه، ولا يختلف في أن ذلك يجوز له إذا كانت يمينه لما يقع بين النساء والصبيان ولا في أن ذلك لا يجوز له إن كان إنما كره جواره وأراد التنحي عنه، وإنما الاختلاف إذا لم تكن له نية ولا كان ليمينه بساط فحمله في أحد قوليه على كراهة التنحي وكراهة الجوار توقيا من الحنث، وحمله على القول الثاني ما يقتضيه لفظه من المساكنة فلم يحنثه؛ لأن الجدار يقطع المساكنة بينهما وهو القياس، ولو عين الدار فحلف ألا يساكنه في هذه الدار لما بر بأن يبنيا بينهما فيها جدارا والله أعلم.